News

الاكتتابات العامة الأولية المرتقبة في دول مجلس التعاون الخليجي قوية وواعدة

 

تناول تقرير خاص أصدرته شركة ABK Capital، الذراع الاستثماري للبنك الأهلي الكويتي، أداء الاكتتابات العامة الأولية في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي في حقبة ما بعد جائحة كوفيد-19، خصوصاً أنها استحوذت على اهتمام كبير في أسواق تلك الدول، بعدما أظهرت مرونة ملحوظة على الرغم من الظروف الاقتصادية العالمية المضطربة. وتنبع هذه الطفرة في نشاط الاكتتابات العامة الأولية الخليجية من مزيج من العوامل الإستراتيجية، وأبرزها جهود التنويع الاقتصادي التي تقودها الحكومات. ومن العوامل المحورية في هذا الاتجاه مبادرات مثل إدراج الشركات المملوكة للدولة في أسواق المال، والإصلاحات التنظيمية، والزيادة الملحوظة في اهتمام المستثمرين الأجانب بأسواق المنطقة. ولا يزال الزخم وراء الاكتتابات العامة الأولية الخليجية قوياً، مدعوماً بانتعاش النمو الاقتصادي، والتخفيضات المتوقعة في أسعار الفائدة في عام 2025، وتعزيز مكانة هذه الاكتتابات بين المستثمرين العالميين. وفي الوقت نفسه، يرسم نشاط الاكتتابات العامة الأولية العالمية صورة مختلفة تماماً، فقد أبقت أسعار الفائدة المرتفعة والتضخم المستمر والمخاوف المستمرة من ركود عالمي محتمل الأسواق العالمية مجتمعةً في حالة من الركود الاقتصادي، مما يسلط الضوء على الطبيعة الاستثنائية لأداء دول مجلس التعاون الخليجي اقتصادياً خلال هذه الفترة.

تفاؤل حذر في سوق الاكتتابات العامة الأولية العالمية

ذكر تقرير ABK Capital أن سوق الاكتتابات العامة الأولية العالمية أظهر في عام 2024 بوادر انتعاش، مدعوماً بعلامات التيسير النقدي، ولكنه مازال متأثراً باستمرار التوترات الجيوسياسية وتقلبات السوق، مبيناً أنه خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام، حقق نشاط الاكتتابات العامة الأولية في الأميركتين وأوروبا والشرق الأوسط والهند وأفريقيا نمواً مضاعفاً لجهة كل من الحجم والعائدات مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023. وفي الوقت نفسه، شهدت منطقة آسيا والمحيط الهادئ تحولاً ملحوظاً في الربع الثالث من عام 2024، بعد أداء ضعيف خلال النصف الأول من العام، حيث سجلت ارتفاعاً بنسبة 11% على أساس ربع سنوي في نشاط الاكتتابات العامة الأولية.

وأشار التقرير إلى اتجاهين رئيسيين لهذا الانتعاش، وهما عودة ظهور الاكتتابات العامة الأولية المدعومة من الأسهم الخاصة ورأس المال الاستثماري، والتركيز المتجدد على الإدراجات العابرة للحدود. ولفت إلى أن الاكتتابات العامة الأولية المدعومة من الأسهم الخاصة ورأس المال الاستثماري استحوذت على ستة من أكبر عشرة اكتتابات عامة أولية عالمية في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2024، لتساهم بأكثر من ثلث إجمالي عائدات الاكتتابات العامة الأولية العالمية.

موجة الاكتتابات العامة الأولية الخليجية: الصدارة لقطاع الطاقة

لفت تقرير ABK Capital إلى أن سوق الاكتتابات العامة الأولية الخليجي أظهر نمواً ملحوظاً على مدار السنوات الخمس الماضية، لم تعطله سوى فترة الجائحة. وكان حافز هذا المسار التصاعدي هو الاكتتاب العام الأولي التاريخي لأرامكو السعودية عام 2019، الذي شكل حدثاً محورياً أعاد تشكيل مشهد السوق في المنطقة، والذي حقق رقماً قياسياً بقيمة 26 مليار دولار أمريكي ليصبح أكبر اكتتاب عام أولي في التاريخ، وحدد مسار الطروحات مستقبلاً في جميع دول مجلس التعاون الخليجي. وأدت مجموعة من العوامل إلى دفع هذا النمو، بما في ذلك إستراتيجيات التنويع التي تتبعها حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، والاستقرار الاقتصادي المستدام، الذي جذب اهتمام المستثمرين المتزايد. وبحلول نهاية الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، سجلت دول مجلس التعاون الخليجي 27 اكتتاباً عاماً أولياً بعائدات بلغت 4.7 مليار دولار، متخلفة قليلاً عن 28 اكتتاباً عاماً أولياً وعائدات بلغت 5.6 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2023. وبرزت السعودية والإمارات في صدارة سوق الاكتتابات العامة الأولية في المنطقة، بحيث استحوذتا معاً على  91.3% من إجمالي العائدات بين عام 2019 والربع الثالث من عام 2024، بحيث ساهمت السعودية بنسبة 56.8% والإمارات بنسبة 34.5%.

رسّخ قطاعا الطاقة والمرافق العامة مكانتهما كقطاعين مهيمنين في سوق الاكتتابات العامة الأولية الخليجي، حيث يمثلان نحو 61% من إجمالي قيمة الاكتتابات العامة الأولية بين عامي 2019 والربع الثالث من عام 2024. ويُعزى هذا في المقام الأول إلى اكتتابات بارزة مثل أرامكو السعودية وهيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا)، التي وضعت معياراً عالياً لأسواق رأس المال في المنطقة. وحتى عند استبعاد العائدات التاريخية من الاكتتاب العام الأولي لأرامكو السعودية، فإن قطاعي الطاقة والمرافق العامة يستمران في الصدارة من حيث قيمة الاكتتابات، بحصة كبيرة تبلغ 24%. ويأتي من بعدهما قطاع السلع الاستهلاكية، الذي يمثل 22.3% من إجمالي قيمة الاكتتابات العامة الأولية خلال الفترة نفسها. ومع ذلك ومن حيث عدد الاكتتابات العامة، يحتل قطاع السلع الاستهلاكية الصدارة، حيث يساهم بنحو 12% من إجمالي الاكتتابات الخليجية.

تناولت ABK Capital في تقريرها أداء أكبر 10 اكتتابات عامة أولية من حيث القيمة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي بعد عام واحد من الإدراج، بين عام 2019 والربع الثالث من عام 2023. ومن بين الشركات البارزة من حيث الأداء، حققت شركة أكوا باور، التي أُدرجت في أكتوبر 2021 واحتلت المرتبة الثامنة من حيث عائدات الاكتتاب العام، زيادة لافتة بنسبة 122.8% في سعر سهمها خلال عام من الإدراج. ويتناقض هذا الأداء الملحوظ مع مؤشر ستاندرد آند بورز المركب لدول مجلس التعاون الخليجي، الذي حقق مكاسب متواضعة بنسبة 1% خلال الفترة نفسها، مما يسلط الضوء على الجاذبية القوية للشركة مقارنة باتجاهات مؤشر السوق الأوسع نطاقاً. ومن بين النجاحات البارزة الأخرى شركة أدنوك للغاز وشركة أمريكانا للمطاعم الدولية وشركة النهدي الطبية، حيث حقق كل منها عوائد إيجابية خلال عام على الرغم من الإغلاق السلبي لمؤشر الأسهم الأوسع نطاقاً للمنطقة. وفي المقابل، سجل سهم هيئة كهرباء ومياه دبي وسهم شركة بروج عوائد سلبية بعد عام من الإدراج، وهو اتجاه يُعزى إلى مناخ السوق الصعب الذي كان سائداً خلال طرحهما الأول في عام 2022.

الاكتتابات العامة الأولية في السعودية والإمارات تجتذب اهتمام المستثمرين

تهيمن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على سوق الاكتتابات العامة الأولية في دول مجلس التعاون الخليجي، وهو وضع عززته إستراتيجيات التنويع الاقتصادي الطموحة والتركيز المتزايد على إدراج الشركات الصغيرة والمتوسطة. وقد استحوذت الدولتان معاً على 91.3% من عوائد الاكتتابات العامة الأولية الخليجية بين عام 2019 والربع الثالث من عام 2024 وهو مسار مستمر. وقد لعبت سوق "نمو" الموازية في السعودية دوراً أساسياً، حيث توفر للشركات الصغيرة مساراً مبسطاً للإدراج في أسواق رأس المال مع عقبات تنظيمية أقل من السوق الرئيسية. وبالإضافة إلى الإصلاحات التنظيمية، تقدم المبادرات المدعومة من الحكومة الدعم المالي والاستشاري للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تهدف إلى الاكتتابات العامة الأولية.

ويعكس هذا الزخم في نشاط الاكتتابات العامة الأولية أهداف التنويع الاقتصادي الأوسع نطاقاً في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تتطلب استثمارات كبيرة وإنفاقاً كبيراً على البنية التحتية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك الاكتتاب العام الأولي التاريخي لشركة أرامكو السعودية، الذي جمع مبلغاً قدره 25.6 مليار دولار في عام 2019 من خلال بيع 3 مليارات سهم، وهو ما يمثل 1.5% فقط من قيمة الشركة، وقد احتفظت الحكومة السعودية بأغلبية مسيطرة، حيث صُمم الإدراج لتمويل المشاريع الوطنية التحويلية التي تهدف إلى الحد من اعتماد المملكة على عائدات النفط.

تحليل عوامل ازدهار الاكتتابات العامة الأولية في دول مجلس التعاون الخليجي

في إطار تحليل التقرير لأداء سوق الاكتتابات العامة الأولية الخليجي، فقد أشار إلى ازدهار غير مسبوق، يغذيه تضافر الإصلاحات التنظيمية ومرونة الاقتصاد الكلي وتزايد ثقة المستثمرين. فعلى مدار العقد الماضي، أدخلت أسواق الأوراق المالية في دول مجلس التعاون الخليجي تدابير تشجع الشركات الخاصة والشركات العائلية على طرح أسهمها للاكتتاب العام. وعلى سبيل المثال، تدعم مبادرة سوق دبي المالي وغرفة تجارة دبي برنامج "مسرعات الاكتتابات العامة" منذ عام 2023. وبالمثل، أطلقت "تداول" في السعودية سوق الأسهم الموازية "نمو" في عام 2017، حيث تقدم للشركات الصغيرة والمتوسطة متطلبات إدراج مبسطة. ويقدم "صندوق أبو ظبي للاكتتاب" الحكومي الدعم المالي والخدمات الاستشارية للشركات الخاصة التي تهدف إلى الإدراج في سوق أبو ظبي للأوراق المالية. وإضافةً إلى خفض رسوم الإدراج وتشجيع الشركات العائلية على طرح أسهمها للاكتتاب العام، أدخلت البورصات الخليجية أيضاً ابتكارات لجذب المستثمرين الأجانب. وعززت مبادرات مثل تخفيض عمولات التداول، وتمديد ساعات التداول، وإدخال صناديق المؤشرات المتداولة في البورصة، من القدرة التنافسية للمنطقة، في وقت لم تقتصر هذه التدابير على تحفيز الشركات الخاصة فحسب، بل عززت أيضاً الثقة في أسواق الأسهم في المنطقة.

ويدعم الاتجاه التصاعدي في نشاط الاكتتابات العامة الأولية الخليجية الأسس القوية للاقتصاد الكلي والتوقعات الاقتصادية الإيجابية المتزايدة. وخلقت إصلاحات السياسات، إلى جانب إقبال المستثمرين، ببيئة خصبة للشركات التي تسعى إلى طرح أسهمها للاكتتاب العام. وغالباً ما تشكل الاكتتابات العامة الأولية الناجحة سابقة لها "تأثير العدوى" الذي يشجع المزيد من الشركات على أن تحذو حذوها. وعلى سبيل المثال، تمت تغطية الاكتتاب العام الأولي لشركة علي الغانم وأولاده الكويتية وهي شركة عائلية بما يعادل 11 مرة خلال الاكتتاب العام الأولي في عام 2022، إذ مهّد هذا النجاح الطريق أمام مجموعة بيوت للاستثمار، وهي شركة عائلية كويتية أخرى شهدت اكتتاباً عاماً أولياً في عام 2024 تجاوز الاكتتاب 17 مرة، وقد تعزز الطلب القوي من قبل المستثمرين بفضل الأداء الإيجابي بعد الاكتتاب العام، مدعوماً بالنمو الاقتصادي غير النفطي في المنطقة وبيئة السياسات المواتية.

ولاتزال مجموعة الاكتتابات العامة الأولية المرتقبة في دول مجلس التعاون الخليجي قوية وواعدة، حيث تستعد شركات من قطاعات عدة لطرح أسهمها للاكتتاب العام. وتشمل أبرز الاكتتابات المرتقبة مجموعة مطاعم الأبراج في البحرين، وشركة الاتحاد للطيران في الإمارات، وشركة تمكين للموارد البشرية في السعودية. وفي حين تواصل السعودية والإمارات الهيمنة على نشاط الاكتتابات العامة الأولية في دول مجلس التعاون الخليجي، تقترب بقية الأسواق من دائرة الضوء؛ إذ تهدف سوق البحرين إلى تعزيز إدراج المؤسسات الحكومية، بينما تخطط سوق عمان لطرح شركتين أخرتين في عام 2024. وفي الكويت، تستكشف الشركات العائلية في الكويت إمكانية الإدراج في بورصة الكويت، بينما تظهر الاكتتابات العامة الأولية عبر الحدود خياراً قابلاً للتطبيق للشركات التي تسعى إلى التوسع الإقليمي.

وختاماً، توقع تقرير ABK Capital أن يستمر هذا الزخم حتى عام 2025، مدعوماً بسياسات التيسير النقدي في جميع دول مجلس التعاون الخليجي. وشرعت البنوك المركزية الخليجية، تماشياً مع سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، في خفض أسعار الفائدة، مع توقع المزيد من الخفض في عام 2025. ويؤدي خفض أسعار الفائدة إلى خفض تكلفة رأس المال، مما يجعل الاكتتابات العامة الأولية وسيلة أكثر جاذبية لجمع الأموال. ويتزايد اهتمام المستثمرين الأجانب في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، إذ أنه وبحلول منتصف عام 2024، بلغت نسبة المستثمرين الأجانب 43% من المستثمرين المسجلين في سوق أبوظبي، وشملت 3700 مستثمراً مؤهلاً في السعودية. وقد شهد الطرح الثانوي لأسهم أرامكو السعودية في يونيو 2024 إقبال المستثمرين الأجانب على شراء أكثر من نصف الأسهم. وذكر التقرير أنه وبفضل السياسات الحكومية الداعمة، ومبادرات أسواق رأس المال جيدة التنفيذ، وبيئة الاقتصاد الكلي المواتية، فإن سوق الاكتتابات العامة الأولية في دول مجلس التعاون الخليجي مهيأة لمواصلة النجاح، مؤكداً أن التقاء الابتكارات التنظيمية، والاستثمار في البنية التحتية، واستراتيجيات التنويع الاقتصادي يضمن بأن تظل المنطقة نقطة جذب للاكتتابات العامة في الأعوام المقبلة.

Other News