News

تقرير ABK Capital: الصين تجدد آمال الانتعاش الاقتصادي بحزمة حوافز جديدة

تناول تقرير خاص أصدرته شركة ABK Capital، الذراع الاستثماري للبنك الأهلي الكويتي، مستجدات الاقتصاد الصيني الذي كان في دائرة الضوء خلال الآونة الأخيرة، عقب إعلان سلسلة من الإجراءات التحفيزية الهادفة إلى تنشيط النمو الاقتصادي في البلاد. فمنذ عام 2017، واجه الاقتصاد الصيني تباطؤاً في وتيرة نموه، نتيجة التأثيرات المركبة للتوترات التجارية والسياسية العالمية، إضافةً إلى فقاعة سوق العقارات وارتفاع معدلات البطالة. وقد أثارت الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة بعض الآمال بانتعاش اقتصادي على المدى القريب، رغم أن الاقتصاد لا يزال بحاجة إلى إصلاحات هيكلية لضمان آفاق نمو مستدام على المدى البعيد.

وأشار التقرير إلى أن الاقتصاد الصيني، قبل تطبيق إصلاحات السوق والانفتاح التجاري في الثمانينيات، كان شبه منعزل عن الاقتصاد العالمي. لكن منذ تخفيف القيود على التجارة والاستثمار الأجنبي عام 1980، برزت الصين كأحد الاقتصادات الأسرع نمواً عالمياً، بمتوسط نمو سنوي للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بلغ 9.6% في الفترة من 1980 إلى 2017.[1] وبهذا الصعود، أصبحت الصين قوة اقتصادية رئيسية، إذ تجاوزت حصتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي نظيرتها الأمريكية من حيث تعادل القوة الشرائية منذ عام 2017. وأتاح انخفاض تكاليف العمالة والتقدم التكنولوجي السريع للصين ميزة تنافسية في الصناعات التحويلية، مما عزز مكانتها كقوة تجارية عالمية ورفع قدرتها التصديرية.

كما أدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى استقطاب تقنيات حديثة، أسهمت تدريجياً في تقارب المستوى التكنولوجي للصين مع الاقتصادات المتقدمة. على سبيل المثال، ارتفعت حصة الصين في الصناعة التحويلية العالمية[2] من 19% في عام 2010 إلى 34% في عام 2023، مما جعلها شريكاً لا غنى عنه في سلاسل التوريد العالمية.[3] كذلك، زادت حصتها من الصادرات العالمية للسلع من 6.5% في عام 2004 إلى 14.5% في عام 2023، متفوقةً على الولايات المتحدة التي تمثل 8.7% من الصادرات العالمية[4]. وتعد الصين أكبر سوق استيراد لستة من أصل عشرة من الاقتصادات الكبرى عالمياً.[5] على مدار العقدين الماضيين، كان الاقتصاد الصيني ركيزة أساسية في عملية العولمة، إذ تعتمد العديد من الاقتصادات الكبرى على الصين في توفير المواد الأساسية، نظراً لمزاياها التنافسية في التكلفة وقاعدتها التكنولوجية المتقدمة.

لكن تقرير ABK Capital يلفت إلى أن النمو الاقتصادي الصيني شهد تباطؤاً منذ عام 2017، تحت تأثير تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، والخلافات الجيوسياسية حول تايوان، وأزمة قطاع العقارات، وتراجع جاذبية الصين كمركز تصنيع عالمي، إضافةً إلى تبعات جائحة كوفيد-19. وباستثناء التعافي المؤقت الذي أعقب الجائحة في عام 2021، تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشكل ملحوظ، وسلكت صادرات السلع والخدمات نفس المنحى. تواجه الصين اليوم تحديات داخلية وخارجية متعددة تؤثر على مسار نموها وديناميكيات تجارتها، مما يبرز الحاجة إلى تبني سياسات مستدامة لدعم النمو.

 

متغيرات المشهد الاقتصادي الصيني

بداية النزاع التجاري: بدأت التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في عام 2017، مدفوعة بمخاوف الولايات المتحدة بشأن حماية الملكية الفكرية. طرحت الصين خطتها "صنع في الصين 2025" في عام 2015، بهدف تطوير صناعاتها التقنية العالية، بما في ذلك السيارات الكهربائية وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، من خلال دعم حكومي واستحواذ على حقوق الملكية الفكرية. سعت الحكومة الصينية إلى شراء التكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية من الخارج، مع فرض ضغوط على الشركات الأجنبية لنقل تقنياتها كشرط للعمل في السوق الصيني. أثارت هذه الإجراءات مخاوف من سعي الصين للحد من اعتمادها على التكنولوجيا الأجنبية والتفوق في الأسواق العالمية، مما أدى إلى تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة وتنامي المخاوف من احتمال حدوث تفكك اقتصادي جغرافي.

  • زيادة التعريفات الجمركية: ردت الولايات المتحدة في 2017 بزيادة التعريفات الجمركية بنسبة 25% على واردات بقيمة 250 مليار دولار أمريكي من الصين. وفي مايو 2024، فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية جديدة على واردات صينية معينة، بهدف دعم الإنتاج المحلي، حيث زادت الرسوم على السيارات الكهربائية والأجهزة الطبية بشكل ملحوظ. من جهة أخرى، تعتمد أوروبا على الصين في استيراد الإلكترونيات والمنسوجات والبلاستيك والمعادن الأساسية. أثر موقف الولايات المتحدة من التجارة الصينية على علاقاتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، حيث تتشارك الدول مخاوف مشتركة حول تأثير الصادرات الصينية المدعومة من الحكومة. وفي أكتوبر 2024، فرض الاتحاد الأوروبي تعريفة جمركية بنسبة 10% على واردات السيارات، و45% على السيارات الكهربائية الصينية.  
  • حقبة "إزالة العولمة" و"التصدير الصديق": أدى تغير المشهد الاقتصادي العالمي إلى بروز ظاهرتي "إزالة العولمة" و"التصدير الصديق". فقد ساهمت القيود الصناعية الممتدة بسبب جائحة كوفيد-19 في الصين في إضعاف سلاسل التوريد العالمية المعتمدة عليها، مما دفع أوروبا ودولاً أخرى إلى تطوير سلاسل إمداد محلية وتقليل الاعتماد على الصين. وفي ظل التوترات المتزايدة بين الصين والولايات المتحدة وارتفاع تكاليف العمالة الصينية، تتبنى الشركات الكبرى استراتيجية "الصين زائد واحد"، التي تهدف إلى تنويع الإنتاج خارج الصين إلى دول أخرى. وتعد المكسيك وفيتنام وإندونيسيا وماليزيا والهند من بين الوجهات البديلة للشركات الأمريكية. وقد شهدت واردات الولايات المتحدة من السلع الخاضعة للتعريفات الجمركية من الصين تراجعاً بنسبة 22.5% بين عامي 2016 و2023، بينما ارتفعت الواردات من المكسيك بنسبة 56.6%، مما يدل على اعتماد الولايات المتحدة على دول صديقة للتوريد. كذلك، تراجعت واردات المنتجات التكنولوجية من الصين لصالح فيتنام، حيث تضاعفت واردات أجهزة الكمبيوتر المحمولة من فيتنام بين عامي 2017 و2022، محققة زيادة قدرها 800 مليون دولار أمريكي[6].
  • التحديات الاقتصادية الداخلية: واجه الاقتصاد الصيني تحديات محلية عديدة، أبرزها أزمة قطاع العقارات ومستويات الديون المرتفعة. يعاني قطاع العقارات الصيني من تراجع مستمر، خاصة بعد تعثر مجموعة "إيفرغراند"، ثاني أكبر مطور عقاري في الصين، مما تسبب في أزمة أوسع. رغم التدابير الحكومية المتعددة منذ عام 2021، لا يزال سوق العقارات بعيداً عن التعافي. كما أدت اختلالات هيكلية أخرى، مثل تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وركود الأجور، إلى انخفاض ثقة السوق، مما أدى إلى إطالة أزمة العقارات حتى عام 2024.
  • اعتماد الاقتصاد على الديون: تاريخياً، اعتمد النمو الاقتصادي الصيني على الائتمان. وقد أدى الدعم الائتماني المقدم إلى الشركات المملوكة للدولة بعد الأزمة المالية العالمية إلى ارتفاع كبير في مستويات الدين. ومع مرور الوقت، ارتفعت نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي، لتصل إلى 297% بحلول عام 2023، مما يعكس العبء المتزايد للديون على الاقتصاد الصيني[7].   

 

ونوّه التقرير إلى أن تحول الصين في استراتيجيتها الاقتصادية وتبنيها للتكنولوجيا الجديدة أدى إلى تراجع مفاجئ في استهلاكها للنفط، مما يترك آثاراً عميقة على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط. لسنوات، كانت الصين تشكل ركيزة أساسية في نمو الطلب العالمي على النفط، حيث استحوذت على نحو 60% من هذا النمو خلال العقد الماضي[8]. وفي ضوء هذه المستجدات، خفضت منظمة "أوبك" توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط لعام 2024 إلى 1.93 مليون برميل يومياً في أكتوبر 2024، بانخفاض قدره 106,000 برميل يومياً مقارنةً بتوقعاتها لشهر سبتمبر. وجاءت المراجعة التخفيضية نتيجةً لتباطؤ الطلب الصيني، الذي تأثر بانتشار السيارات الكهربائية والتباطؤ الاقتصادي المحلي. وتوقعات نمو استهلاك النفط في الصين تم تعديلها إلى 580,000 برميل يومياً مقارنةً بتوقعات سبتمبر التي بلغت 650,000 برميل يومياً. ومع كون الصين مسؤولة عن حوالي 20% من صادرات النفط الخليجية، يُتوقع أن يكون لهذا التباطؤ تأثير ملحوظ على إنتاج النفط في دول مجلس التعاون الخليجي. وقد يؤدي انخفاض الطلب الصيني على النفط إلى مراجعة بعض دول "أوبك+"، مثل السعودية والكويت، لقرار التخفيض الطوعي في إمداداتها النفطية، مما يهدد بعواقب على الإيرادات النفطية لهذه الدول. وفي حال استمرار التراجع في الطلب، قد يكون من الضروري الاستمرار في تقييد العرض النفطي للحفاظ على استقرار أسعار النفط.

 

النمو المتوقع في طلب الاقتصادات الرئيسية على النفط (بالنسبة المئوية)

في سبتمبر 2024، أعلنت الصين عن حزم تحفيز مالي ونقدي شاملة لدعم اقتصادها وإقاة عثرة القطاع العقاري. وركزت الإجراءات النقدية على خفض تكاليف الاقتراض، وزيادة السيولة في السوق، وتخفيف أعباء سداد الرهن العقاري على الأسر. وخفض بنك الشعب الصيني نسبة متطلبات الاحتياطي بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر، مما أتاح تحرير نحو تريليون يوان (142 مليار دولار أمريكي) لتمويل قروض جديدة. كما خفضت الصين أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 25 نقطة أساس، ليصل سعر الفائدة على القروض لمدة عام واحد إلى 3.1% في أكتوبر 2024. وأعلن البنك المركزي عن إمكانية خفض إضافي لنسبة متطلبات الاحتياطي بمقدار 25-50 نقطة أساس قبل نهاية العام لتعزيز السيولة. وعلى صعيد التحفيز المالي، تعتزم الصين إصدار سندات سيادية خاصة بقيمة 2 تريليون يوان (نحو 284.43 مليار دولارأمريكي) هذا العام، بالإضافة إلى جمع تريليون يوان إضافية من خلال إصدار ديون خاصة منفصلة لدعم الحكومة المحلية في معالجة مشاكل ديونها. خصصت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح مبلغ 100 مليار يوان للإنفاق في ميزانية عام 2025. وفقاً لمعهد الاقتصاد والسياسة العالمية، من المتوقع أن تعتمد الصين على 12 تريليون يوان من الديون الجديدة كجزء من برامج التحفيز في عام 2025.

وانتهت ABK Capital في تقريرها إلى أن تدابير التحفيز ساهمت في تعزيز ثقة المستثمرين بقدرة الصين على تصحيح مسارها الاقتصادي على المدى القصير. ويمكن للانتعاش الاقتصادي المدعوم بالتحفيز أن يكون له آثار إيجابية عالمية، مما يعود بالنفع على منتجي السلع الأساسية، مثل تشيلي والأرجنتين، بفضل زيادة الطلب الصيني. ومن المتوقع أيضاً أن تستفيد كوريا الجنوبية، بفضل دورها كمزود رئيسي في سلاسل الإمداد الإقليمية والعالمية، من ارتفاع الطلب على صادراتها الصناعية. ومع ذلك، قد تكون هناك حاجة إلى إجراءات إضافية، خصوصاً في قطاع العقارات، لتعزيز الاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد. ويُتوقع أن تؤدي الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى دعم إمكانات النمو الطويل الأمد إلى تداعيات إيجابية أوسع، خاصةً بالنسبة للبلدان المصدرة للنفط. 

 

-انتهى-

Other News